روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | مشكلة الدونية وإحتقار النفس والجماعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > مشكلة الدونية وإحتقار النفس والجماعة


  مشكلة الدونية وإحتقار النفس والجماعة
     عدد مرات المشاهدة: 2693        عدد مرات الإرسال: 0

¤ رؤية نفسية اجتماعية لواقع مجتمعاتنا.

ان من بين كلِّ الأحكام التي نُطلِقُها على الناس والأحداث من حولنا، نجد أن أهمَّها هو الحكم الذي نطلقه على أنفسنا، وما نشعر تجاهها وكذلك الآخرين أو المجتمع من حولنا، وتقدير الذات يعنى به مقدار الصورة التي ينظر فيها الإنسان إلى نفسه، هل هي عالية أم منخفضة. ويعد تقدير الذات مهما جدا من حيث أنه هو البوابة لكل أنواع النجاح المنشودة، فمهما تعلم الشخص طرق النجاح وتطوير الذات، فإذا كان تقديره لذاته وتقييمه لها ضعيفا فلن ينجح في الأخذ بأي طرق النجاح الفعالة، لأنه يرى نفسه غير قادر وغير أهل وغير مستحق لذلك النجاح.

وتقدير الذات لا يولد مع الإنسان، بل هو مكتسب من تجاربه في الحياة وطريقة رد فعله تجاه التحديات والمشكلات في حياته، وسن الطفولة هام جدا لأنه يشكل نظرة الطفل لنفسه وبالتالي يجب التعامل مع الأطفال بكل الحب والتشجيع، وتكليفهم بمهمات يستطيعون إنجازها فتكسبهم تقديرا وثقة في أنفسهم، وكذلك المراهقين.

وتقدير الذات درجات تصل الى إحتقار الذات ومن ثم ينعكس هذا على سلوك الفرد الإجتماعي فيجعله ينظر للآخرين نظرة دونية محتقرة ويسلك معهم سلوكا يدل على هذه النظرة المنخفضة للذات، ومن علامات هذا التدني الانطوائية، والخوف من التحدث على الملأ أو مواجهتهم أو اخذ رأيهم والتعامل معهم بحرية وديمقراطية، إتعاب النفس في إرضاء الآخرين لتجنب سماع النقد منهم، بل إن العنف والعدوانية وعدم تقبل النقد هي صور من ضعف تقدير الذات، لأنها عملية هروب من مواجهة مشكلات النفس، ولا يجب الخلط بين تقدير الذات والثقة بالنفس، فإن الثقة بالنفس هي نتيجة تقدير الذات، وبالتالي من لا يملك تقديرا لذاته فإنه يفتقد الثقة بالنفس كذلك، وضعف تقدير الذات وتدنيها وإحتقارها ينمو بسبب كثرة الهروب من مواجهة مشكلاتنا وجروحنا الداخلية، وتغطيتها وعدم الرغبة في إثارة الحديث عنها.

والحل يكمن في مواجهتها ومعالجتها بسرعة، ولكن هذا يتطلب شجاعة في أن يعترف الإنسان بأخطائه وبعيوب نفسه، لذلك كانت المهمة الأولى في معالجة نقص تقدير الذات هي رفع مستوى الشجاعة عند الفرد ليواجه عيوبه ويعمل على حلها، ورفع مستوى الشجاعة يكون بالحديث الإيجابي للنفس بأنها غالية وعزيزة ولها قدر عالي عند صاحبها.

وللأسف الشديد من واقع تجاربي العلمية والشخصية والحياتية والخبرات العلمية ومنها الحالات النفسية والإرشادية كثيرا ما أجد في مجتمعاتنا من ينظرون الى أنفسهم ومن ثم الآخرين هذه النظرة السلبية المتدنية فمثلا نجد من يقول بلا إستحياء احنا خدنا على العبودية احنا عايزين اليى يمسكنا بقبضة من حديد ولابد من ضرب المعارضين وقتلهم وسحلهم ما هم يستهلوا جابوه لنفسيهم.. انا عبد المأمور.. ان كان لك عند الكلب حاجه قولوا يا سيدي!! احنا عبيد البياده -الحذاء العسكري- وقد رأينا صوره لاحد الأفراد يضع على راسه بيادة ويربطها للتدليل على ذلك..ما ينفعش معانا غير الخسيس أو الجبان. اصلنا اخدنا واتربينا على كده ولابد من الضرب بالجزمه.. طول عمرنا بنمشي بالكرباج أو السوط.......الى آخر ذلك

وهناك ما يطلق عليه في علم النفس متلازمة ستوكهولم وهو مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع من اذله أو قمعه اوعدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، فيظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف، وقد أطلق على هذه الحالة اسم متلازمة ستوكهولم نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم.

فعندما تكون الضحية تحت ضغط نفسي كبير، فأن نفسه تبدأ لا إرادياً بصنع آلية نفسية للدفاع عن النفس، وذلك من خلال الاطمئنان للجاني، خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنم عن الحنان أو الإهتمام حتى لو كانت صغيرة جداً فإن الضحية يقوم بتضخيمها وتبدو له كالشيء الكبير جداً، وفي بعض الأحيان يفكر الضحية في خطورة إنقاذه، وأنه من الممكن أن يتأذى إذا حاول أحد مساعدته أو إنقاذه، لذا يتعلق بالجاني.

تظهر هذه الحالات كذلك في حالات العنف أو الإستغلال الداخلي، وهي حالات العنف أو الاستغلال: عاطفي، جسدي، التي تحدث داخل العائلة الواحدة، خاصةً عندما يكون الضحايا أطفال، يلاحظ أن الأطفال يتعلقون بالجناة بحكم قرابتهم منهم وفي الكثير من الأحيان لا يريدون أن يشيروا بأصابع الاتهام إليهم.

وعلى صعيد المجتمع، يمكن ملاحظة هذا التأثير في الأنظمة القمعية كما يحدث الآن، عندما لا تملك السلطة شرعيتها من أغلبية الشعب، فتصبح وسيلة الحكم القمعية ضاغطة على افراد المجتمع، ولمدة طويلة، يطور خلالها الافراد علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحية النظام ويظهر ما يطلق عليه ابوية النظام فتجد من يقول لك ان هذا القمعي أو الظالم ابونا حرام عليك اعتبره ابوك يا اخي!!، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة إبتزاز المجتمع، فيعتاد الشعب على القمع والذل لدرجه تجعله يخشى من التغيير حتى وإن كان للأفضل ويظل يدافع عن النظام القمعي ويذكر محاسنه القليلة جدا دون الإلتفاتات إلى مظاهر القمع والفساد الكثيرة..

ومن الممكن والجائز أن يصاب بأعراض هذا الإضطراب من تعرضوا لصور أخرى من الإضطهاد مثل الإغتصاب أو الضرب المبرح أو في المعتقلات السياسية.

فتجد الكثيرين ممن خرجوا من المعتقلات السياسية وبالذات من تم تعريضهم للتعذيب الجسدي أو النفسي الشديد يخرجون بصورة مغايرة تماما لما كانوا عليه وبقناعات جديدة معاكسة لموقفهم الأول ويدافعون عمن إضطهادهم بضراوة، في بعض الحالات يعتبر ما يحصل منهم عن متلازمة ستوكهولم واضحة، وينبغي التنبه إلى أن هذه الحالة مختلفة تماما عما يطلق عليه غسيل الدماغ.

وبشكل غريب، يشعر المظلوم أن عليه أن يرضي الظالم وأن يدعمه ويدخل السرور على نفسه أثناء الظلم حتى يتجنب أذاه، يتعلم المظلوم أو المضطهد بسرعة فائقة ما هي الأشياء التي تسعد الخاطف فيسارع إلى تقديمها، تصل الرغبة في إرضاء الظالم الحد الذي يتجاهل المظلوم رغباته أو حاجاته النفسية كانت أو جسدية أو الإجتماعية فمن كان يشكو من سوء الاحوال... الآن الاحوال اسوء بكثير ولكنه يقول ما اجملها وهل من مزيد أو بلغة الصعايدة كمان وكمان!!.

ولو بذلت أي محاولة لإنقاذ هذا المظلوم، فإنه لا يرفضها فقط بل يعتبرها مصدر تهديد له ولذلك فإنه يقاومها بل ويقدم المساعدة لمن يختطفه خاصة ذهنيا أو عقليا!!.وبعد أن يبتعد عن الظالم نسبيا ويصبح في مأمن منه، يمر المصاب بهذه المتلازمة بحالة نفسية أخرى وهي أيضا حيلة نفسية غير واعية تسمى الإنكار -Denial- لكل ما مر به ويعتبره مجرد حلم، هذا الإنكار لا يبعده في الواقع عن الإعجاب بالظالم، بل إنه يبدأ بتقليده ويحاول أن يتصرف مثله.

ينتج عن الإبتعاد أيضا حالة من الحيرة بين الإعجاب والخوف من الظالم تجعل المصاب بمتلازمة ستوكهولم مترددا في أن يكره ظالميه أو حتى يلقي عليهم أي لوم ويوجه اللوم كله إما إلى نفسه أو من يريد أن ينقذه، لا يرى في ظالميه أي ميزة سيئة ولا يقبل أن تقال عنهم أي شيء سلبي من قبل الآخرين، ولعل القلق والخوف الشديد تمنعه من تقبل أي خيارات أخرى للتعامل مع هذه الأزمة النفسية، وتعتبر هذه الاعراض وسيلة هروب من ضغط نفسي رهيب ولكنها تتم بالتأقلم معه.

ولا نغفل هنا دور الاعلام في التأثير على هؤلاء الافراد واحيانا بعملية غسيل المخ، فغالبية الإعلام لدينا موجه أو ما يطلق عليه الرسمي الباهت التافه، الذي حاول يائسًا مساندة الأنظمة المتهاوية، ووجدت الأنظمة المتهاوية به سلاحًا لبث أكاذيبها للناس، ولأن القائمين على هذا الإعلام يعلمون أن سندهم ليس الأمة، وأنهم في نظر الناس -كذابون- فقد بدا عليهم الإرتباك والخوف الشديدين، حتى إن بعض الحكومات تقيل العديد من المسئولين الشرفاء بل وتحاكمهم لمجرد قول الصدق أو الحقيقة ولذا تجد الانظمة القمعية لما أحست بخطرها وتأثيرها، ألغت حتى القليل من الحرية المتاح وجعلت الاعلام بوقًا قذرًا يقدس النظام، ويسب الناس ويسفه أحلامهم، ويوسع دائرة التهم لكل من يتحرك ضد النظام، فمرة يصفهم بالخارجين على القانون ومرة بالمندسين أو القلة أو الارهابيين، أو غير ذلك من النعوت التي زادت هذه الإعلاميات بعدًا عن الناس أو التأثير فيهم، بل زادت الناس نفورًا وبحثًا عمن ينقل صوت الناس ويذيعه. ناهيك عن وجود من في الاعلام من متردد أو منافق يتبع فكرا أو نظاما أو دولًا غير مبدئية ولا تفهم حتى المصلحة بالمفهوم الغربي الميكيافلي.

ويمكن القول إن الشبكات الإجتماعية إستطاعت أن تترجم حالات السخط الشعبي والجماهيري على الأنظمة الحاكمة في شكل جماعات منظمة إستطاعت إستخدام التكنولوجيا الحديثة في التواصل، وتشكيل مجموعات متجانسة ومتناسقة، وخلق رأي عام نوعي بدأ افتراضياً وتحول إلى حقيقي، وخاصة بين المتعلمين والمثقفين إلى شكل شعبي وجماهيري، إستقطب مزيداً من الإعتصامات والإحتجاجات في تحالف للقوى والجماعات المقهورة سياسياً، واجتماعياً، وأمنياً، وإقتصادياً، وإجتماعياً. وأصبح لدى الغالبية العظمي قناعات بأنها لن تخسر أكثر مما خسرت، وتصاعدت حدة المواجهات بين جموع شعبية تصر على المطالبة بحقوقها المشروعة، وأنظمة إستبدادية متعنتة ومتسلطة تصر على إنكار حقوق هذه الجموع الشعبية الحاشدة، وتراها قلة مندسة بتبريرات واهية عن وجود قوى خارجية، ومع مرور الوقت، تبين زيف إدعاءاتها، وإستطاعت الشبكات الإجتماعية أن تلعب دور الإعلام البديل بنجاح، من خلال توفيرها لوسائل سهلة سريعة آمنة من أجل التبادل الحر للمعلومات والآراء.

ومن ثم فانه على المستوى الارشادي والعلاجي يجب على الآباء أو المربين النهي عن توجيه بعض الرسائل السلبية لأنفسهم أو للنشء اطفالا أو شبابا حتى لا تبقى محفورة في أذهانهم مثل -إنت ما منك فايدة أو لو.... كان فهم- مستخدمين إسم بعض الحيوانات أكرمكم الله.. إلى آخره من هذه العبارات.

وكذلك الإمتناع عن توريث النفس والأبناء الخنوع والضعف وقلة القيمة من قبل آباءهم أو المؤسسات التربوية والإعلامية حيث ثبت أن الطفل أو الشاب يتعلم هذا النوع من السلوك فتضعف شخصيته وينطوي على نفسه ويكره الظهور أمام المجتمع وبالتالي يحتقر ذاته ولابد من وجود أهدف واضحة للحياة وقيمة مرتفعة وإعلاء للذات والآخرين، والإقتداء بالنماذج الإيجابية العليا كالرسول علية الصلاة والسلام والصحابة أو من للآخرين والبعد عن النظر اليهم كأنهم نجوم بعيدة المنال لا يمكن الوصول إليهم فكل هذه الأمور ولربما غيرها تجعله ينتقص من قيمته ومن آدميته وكيانه بشكل يتفاوت من شخص لآخر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إحتقار الذات ففي حديث له قال «لا يحقر أحدكم نفسه» قالوا: يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: «يرى أمراً لله عليه في مقال، ثم لا يقول فيه فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول كذا وكذا فيقول: خشية الناس، فيقول فإياي أحق أن تخشى..» رواه أحمد في المسند.

ولنعش حياتنا وفقا لمبادئنا الاسلامية التي تأمرنا بعدم إحتقار الأمور «ولو أن تلق أخاك بوجه طلق» حيث تكمن قيمة العمل في النتيجة المترتبة على الفعل لا في تكلفة الفعل نفسه يقول العالم جوته -أشر الأضرار التي يمكن أن تصيب الإنسان هو ظنه السيئ بنفسه- ويقول آرنس هولمز في كتابه النظريات الأساسية لعلم العقل: أفكاري تتحكم في خبراتي، وفي استطاعتي توجيه أفكاري.

يجب أن نحب أنفسنا والآخرين ونعمل معا في الخير بتحاب وتواد وهكذا يأمرنا ديننا القويم لنتعاون على البر والتقوى وان تكون لنا قيما عليا ومثلا يحتذي بها وفكرا مستقلا مستنيرا ومبادئ ساميه ودينا قويما وخلقا صالحا لنا ونعلمها لمن في رعايتنا ونتقي الله في انفسنا ورعيتنا ليصلح الله امرنا وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

الكاتب: د. أيمن غريب قطب.

المصدر: موقع المستشار.